يعرف كثير من الكتاب السوءة المذكورة و التي بدت لأدم و حواء بعد أن أكلا من الشجرة بأنها الجسد أو جزء من الجسد و يستدلون على ذلك بآيات القرآن
لكن السوءة لا تعني الجسد و إنما تعني بصفة عامة ما يسيء الإنسان ظهورة .. و في حالة أدم و حواء ما سائهم ظهوره لم يكن شيئا حسيا و لكن معنويا و هو إنكشاف نفسيتهما الفاسدة و شرورهما عندما ظنا أن الله يخفي عنهما شيء لو أخذانه لربما أصبحا خالدين مثله فذهبا إلي ذلك الشيء و أخذانه و أرادا أن يتساويا معه
كآية حاسمة أبدأ بها البحث , عندما يعد الله أدم {إن لك ألا تجوع فيها و لا تعرى} (طه 118) فأدم و بعد أن أكل من الشجرة و قبل أمر الله بنزوله للأرض فهو كان مازال في الجنة فكيف يكون تعرى جسده و يحتاج لأن يغطيه ؟ كلام الله لا يسقط أبدا , اليس كذلك ؟
و للناقش الأن باقي الآيات
من الآيات التي يسوقونها ليدللوا على إن السوءة تعني الجسد حادثة الغراب الذي يبحث في الأرض ...{فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخية} (المائدة 31) فالحالة هنا جثة ميته و تركها بدون دفن و مواراة تذكر الجاني بجريمته و هي قتل أخية هذا من ناحية , و من ناحية أخرى فالجثة تطرأ عليها تغييرات و تتحلل و لا ينفع أن تبقى وسط الأحياء و بالتأكيد "ستسوئهم" في الحالتين
و أذكر أيضا كيف قرأت عن أحد الرؤساء الأمريكيين السابقين إنه غير من طبيعة ما يرتدية بعد أن تولى الرئاسة فأصبح يرتدي الملابس الواسعة لتخفي زيادة وزنه في منطقة البطن ... فهذا مثال عن لباس يواري شيء ظهورة يسوء صاحبة و يريد أن يغطيه و يجنب أنظار الناس عنه
بالنسبة لحالة أدم و حواء فلو كانت السوءة هي الجسد البشري كله فلماذا لا يكون الكلام بصيغة المثنى (جسد أدم + جسد حواء إذا مثنى) لكن الكلمة جائت في القرآن بصيغة الجمع(سوآت) وليس المثنى (سوئتاهما) {فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} (الأعراف:22)
لاحظ ما بدى لهما هو (سوآتهما) (جمع) لكن ما يخصفان عليه (عليهما) مثنى و ليس جمع
و أيضا ننظر هنا {فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} (طه 121) هنا أيضا ما بدى (سوآت) جمع و لكن ما كانا يخصفان عليه من ورق الجنة مثنى(عليهما)
من هذا أستدل على إن ما بدى لهما و ما أرادا إخفائه مختلفين
ما بدا لهما هو شيء معنوي و هو الخطايا و السيئات
فالشيطان كان يعد أدم و حواء بتغيير كبير إذا أكلا من الشجرة (الخلود , يصبحا ملكين , ملك لا يبلا)
فلما ذاقاها و لم يحدث شيء أدركا الحقيقة , تذكرا كل شيء .. تحذير الله لهما من الشيطان , النهي عن الشجرة , توعد الشيطان لأدم بعد طردة من الجنة... كل شيء
أدم و حواء كانا يريدان أن يساويا الله أو ربما "يحاربا الله" و أعتقد أدم و حواء كما قال لهما الشيطان إن الله "له غرض" في منعهما من الأكل من الشجرة لإنها ستجعلهما خالدين أو ملكين و تعطيهما ملكا لا يبلا {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} (الأعراف 20)
وقال لهما {هل أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلا} (طه 120)
و هما أرتكبا كثير من الأخطاء (السوءات) (لذا إستحقت أن تكون بصيغة الجمع) ... القطيعة مع الله , الثقة بالشيطان , إتخاذة حليفا و ضد من ؟ ضد الله ... و الغرور أيضا و هو مذكور في القرآن{فدلاهما بغرور} (الأعراف 22)
شعر أدم و حواء بالندم و تيقظا بمجرد أن ذاقا من الشجرة و لم يحدث شيء و ظلا بطبيعتهما البشرية و لم يتحولا لملكين كما كان يعدهما الشيطان و يقاسمهما عليه {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} (الأعراف 21)
فخجلا من الله .. و غطيا نفسهما بورق الجنة (هل تتذكر منظر النعامة التي تدفن وجهها في التراب ؟ او عندما تكون خجلان جدا من شخص ما و لا تريد ان تنظر في وجهه أو يراك هو ؟)
يتبقى شيء واحد و هو تفسير الآية 27 من سورة الأعراف {يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما} (الأعراف 27)
فلابد أن يكون لها تفسير في سياق المعنى الذي ذكرته حتى يصح ما ذهبت إليه
الموضوع بسيط
كلكم تعرفون أن القرآن مثاني , و تعرفون ما المقصود بمثاني .. و لمن لا يعرف فأقول له ان معنى ذلك ان كل آية في القرآن ذكرت على الأقل مرتين و لكن بألفاظ مختلفة و هي تساعد أيما مساعدة عندما تجمع الآيتين مع بعض أمامك للوصول للمعنى الصحيح
توئمة الآية 27 من سورة الأعراف هي الآية رقم 20 من سورة الأعراف أيضا و التي تقول في أولها {فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما} (الأعراف 20) و فيها الشيطان يريد ان يبدي لهما سوءاتهما (أي يعرفهم الشرور فيهم) وهي لا تتعرض لذكر خلع لباس كما ترون -- هذه واحدة
و في الحقيقة أن كلمة لباس لها في القرآن إستخدامات كثيرة لا تعني فيها الملابس المحسوسة التي نضعها على أجسامنا و إليكم الامثلة {و هو الذي جعل لكم الليل لباسا و النوم سباتا} (الفرقان 47) {و جعلنا الليل لباسا و جعلنا النهار معاشا} (النبأ 10) {فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون} (النحل 112)
و بالمثل لو تأملنا الفعل من هذه الكلمة فها هي تستخدم إستخدام مختلف عن وضع الملابس الحسية على الجسد {و لا تلبسوا الحق بالباطل و تكتمون الحق و أنتم تعلمون} (آل عمران 71) {أو يلبسكم شيعا و يذيق بعضكم بأس بعض} (الأنعام 65) {الذين أمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن} (الأنعام 82) {ليردوهم و ليلبسوا عليهم دينهم و لو شاء الله ما فعلوا} (الأنعام 137)
و هذه واحدة أخرى , و كما كانت كلمة اللباس لها معنى معنوي في كل الأمثلة (الآيات) السابقة فاللباس الذي نزعة الشيطان عن أدم و حواء هو أيضا معنوي ... ربما هو قناع الصلاح الزائف , أو كما كان هناك لباس الجوع بمعنى علامات الجوع التي تظهر على الوجه و الحركات المملوئة بالضعف و كما كان هناك (بتعبير القرآن أيضا) لباس الخوف و هو ما يتبع الخوف من علامات على الإنسان أدم و حواء كانا يعيشان بسعادة في الجنة لا عمل و لا بحث عن طعام و لا عذاب من أي نوع و حواء مثل الفراشة تنتقل في سعادة من بستان لبستان أو تقفز لاهية في الماء ... فنزع الشيطان هذا الغطاء "أي هذه الحالة" عنهما و كشف ما في نفسيهما من أفكار شريرة ضد الله .
و الله عادل فهو لا يضع في الجنة إلا الصالحين .. و ادم و حواء كانا غير صالحين و الله يعلم ذلك , في نفسيتهما بذرة الغرور أو التكبر أو الطمع أو عدم الصلاح أو عدم صلاح من أي نوع كان .. المهم .. لو أن الله أنزل أدم و حواء مباشرة بدون أن يبين لهما السبب من عدم صلاحهما و بدون أن يكشف لهما ما في نفسيتهما لما إقتنعا أبدا (و كذلك نحن ذريتهما) و لإعتبراه ظلما أن خلقهما الله ثم أنزلهما الأرض للشقاء ... و هذه ليست سنة الله مع البشر و إنما سنته أن يخضعهم للإختبار{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ، مستهم البأسآء والضرآء وزلزلوا} (البقرة 214) {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} (آل عمران 142) {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} (التوبة 16)
و هو ما قد حدث
هناك 4 تعليقات:
سعيد جدا باكتشاف هذه المدونة
شكرا و أهلا و سهلا بك
الحقيقه انا عثرت على هذه المدونه بالصدفه وصعقت لما قريت الجزء الخاص بحادثة الأكل من الشجرة وهبوط آدم وحواء للأرض لأني خلال قراءتي للقرآن فتح الله عليا بالتفسير ده لكن لم اصرح به لأحد وكنت منتظر اقرأ اكتر علشان انقحه ولما قريت اللي انت كاتبه وجدت تطابق في فهمنا لحادثة الاكل من الشجره..وفيه بعض اضافات صغيره احب اضيفها
ربط تعريف السوأه بأنها العوره: وهي من أمتي العوره مما يسوء الانسان؟ ده جزء من جسم الانسان وأمر الله للإنسان بتغطيتها تكريم له من باب ولقد كرمنا بني آدم..يعني لرفعه عن مرتبة الحيوان اللي يوجد على الارض وعورته مكشوفه..والشعوب البدائيه كانت لا تستحي من كشف العوره وحتي في روما قبل المسيحيه كان العبيد بيمشوا عرايا تماما..فربط العوره بأنها شيئ سيئ يجب ان يخجل الانسان منه ده حديث على تاريخ البشريه ومش قديم فيها.
ووري عنهما من سوءاتهما..كيف تكون العوره؟ وهل ووريت العوره عن آدم قبل هذا اليوم؟ فكيف كان يجتمع بأمرأته؟
التحليل النهائي خاطئ..الدليل قول الله تعالي" اني جاعل في الأرض خليفه" والذي ذكر قبل خلق آدم فنزول آدم للأرض هو الهدف الاساسي من خلقه..ولكن مثل اي طفل يجب ان يبلغ اولا ليدرك قدرته على الانجاب وتحمل المسئوليه كان لابد لآدم وحواء من ان "يشبوا" عن مرحلة الطفوله المعنويه ويدركوا وجود جانب الشر في تكوينهم وبعد ادراكهم لهذا لم يصبحوا كإبليس متمادين في الشر بل تاب آدم وحواء بكلمات علمها الله لهم وأصبحوا على اتم استعداد للقيام بمهام عمارة الأرض..
في رأيي ان مرحلة إسكان آدم وحواء في الجنه وتعريضهم لوسوسة الشيطان وحادثة الشجره كانت مرحلة اعداد وتأهيل زي معكسر التدريب علشان يكتشف آدم وحواء كل الخصائص اللي اودعها الله فيهم وفي ذريتهم..
شكرا على التعليق وقد قراته بعناية وسواء كنت أختلف أو إتفق مع جزء كبر أو صغر منه فلأي فكر وكل فكر التقدير مني
إرسال تعليق